تابع جديد المدونة عبر:

دراسات



تجديد الخطاب الديني وفلسفة الفن التشكيلي



"لاشك أن هناك حالة من الالتباس لدى قطاع كبير من البشر حول علاقة الفن التشكيلي والفنون عامة بالدين،بل إن الغالبية ينزهون خطابهم عن الاقتراب من مصطلح الفن ذاته،أو دلالاته أو تأويلاته أو فلسفته.
 وحينما نتناول تلك العلاقة ينبغي أن نعي أهمية الخطاب الديني والشريعة وعلاقة كل منها بالفنون التشكيلية، ولابد أولا أن نحرر محل النزاع حول مفهوم  كل منها ، ونتفق على أهمية الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وهي دعوة قائمة ولا تزال. وفي ضوء الكثير من المتغيرات أصبحت الدعوة ملحة للتجديد  بعد أن أصبح هذا الخطاب في  نظر البعض مسئولا عن كل شيء."
وحين نقترب من الشريعة الإسلامية  ونرى أن الكثرة تطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ،ثم  تنتفض بعض القوى لرفض مجرد سماع المصطلح، يتأكد لنا أن الإشكالية هي غياب التأهيل الفكري عبر عقود مما أوصل البعض من عوام الدعاة إلى حالة من الالتباس والخلط بين الأوامر والنواهي في القرآن الكريم،بل والخلط في كيفية تلقي طلبة العلم للعلوم الشرعية ،فهناك من يعمل بالإجازة على يد الدعاة، وهناك من يجتهد بالقراءة الرشيدة، وهناك من يفرغ الوسع في بحثه عن اللاشئ بلا طائل..!
وفي تقديري أنه لاهذا ولاذاك يصلح الآن لطالب العلم الشرعي الحقيقي ، فلايمكن لغير الخريجين من الأزهر الإلمام بمبادئ العلم الشرعي، كي يبدأ بعد تخرجه رحلة البحث في علم واحد كالفرائض مثلا الذي لايقترب منه أغلب الدعاة، لأن علم الفرائض يحتاج إلى عبقرية خاصة، وفتح من الله لفهم مابعد الفهم، خاصة " ميراث أولي الأرحام"..!
أما عن الأوامر والنواهي في القرآن الكريم ، فالكثير من دعاة التلقي من غير الأزهر لايستوعبون الفقه وأصوله في كيفية أن الأمرقد يكون للإباحة مثل قوله" ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" البقرة ( 172 ).
لكن المتأمل الواعي بأهمية وجوده في الدنيا يجد أن الشريعة الغراء ومبادئها وأحكامها يجد أنها الملاذ الآمن لكل من أراد حرية وعدالة وكرامة اجتماعية وكذلك لكل من أراد أمنا وأمانا حقيقيا.. ولنتخيل جميعا حينما نطبق قول الله عز وجل في سورة المائدة " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33)
والمحاربون، من الحرابة وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء، وهي: البروز لأخذ مال أو للقتل أو الإرعاب اعتماداً على القوة. وليس هنا مقام الحديث عن اختلاف الفقهاء في العقوبة هل على الترتيب أم على التخيير؟
ولكننا نؤمن أن لله حكمة أجرى عليها شئون الكون كي تستقيم الحياة، وله سبحانه سنته في خلقه توفر لهم السعادة والخير في الدنيا والآخرة.
ويعاند البعض بأن تطبيق الشريعة يجب ألا يكون إلا بعد حد الكفاف ، ونرد بأن الذي نهب أو اختلس أو ارتشى مليارات أو جتى مليون واحد .. هل هو خاضع لحد الكفاف؟!
وما القول في من يختطف ويغتصب ويروع ويقتل جهارا نهارا مدعما بأسلحة لم نراها إلا في أفلام رامبو.. هل المجتمع في حاجة إلى أمثال هؤلاء؟ وهل يجدي معهم أي تهذيب أو تقويم أو إصلاح كما تقول اليافطة المعلقة على أبواب السحون؟ بل يخرج المجرم أكثر إجراما وفتكا بالناس.
الخطاب الديني
لابد هنا أن نحذر ونفرق بين الخطاب الديني والدين، فالدين هو تنزيل رب العالمين في كتابه الكريم أما الخطاب الديني  هو ماتراكم عبر القرون من شتى المعارف حول هذا الكتاب المعجز وكذلك من تأويلات  وتفسيرات وشروح أنتجها فقهاء ومفسرون وقراءات حديثة أثبتت معجزات علمية لم تكن معلومة للأولين ، ومنها على سبيل المثال الإعجاز العددي والطبي والفلكي ، كذلك قراءات الشيخ سيد قطب عن التصوير الفني في القرآن الكريم ودراسات جادة للدكتور زغلول النجار حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
والمقصود بالخطاب الديني هو كل بيان أو فتوى تصدر باسم الإسلام  وتوجه للناس أجمعيين بوسائل العصر المتاحة مثل خطبة الجمعة وحلقات الدرس وقنوات الاتصال مثل وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية..ومن يتولى عملية الفتوى هم أهل الاختصاص من العلماء الشرعيين الذين يمتلكون أدوات الاجتهاد الصحيح، ويسعون إلى تبسيط وتيسير فهم الخطاب لدى الكافة.
وفهم التجديد هو الأصل فيما ينبغي البناء عليه ، فلايمكن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بإلغاء الحدود الشرعية أو التعرض لنصوص الميراث أو تحليل المحرمات المقطوع بها في نصوص الكتاب والسنة، لكن التجديد والاجتهاد يكون في المسائل والنوازل المتجددة والتي تلتمس الواقع ويتم بحثها من خلال المجامع الفقهية والتي تضم فقهاء العصر،ولا يعني هذا أن بعض ما ورد في كتب التراث من اجتهادات لفقهاء سابقين لا يصلح لعصرنا، وليس كل ماورد إلينا يجب الأخذ به.
كما أن فهم التجديد لايمكن أن يتعدى أمره إلى خلافات حادة بين الدعاة الجدد على القنوات الفضائية بعد تنوع أطياف الجماعات الإسلامية وكل منها لديه فهم خاص للفروع ، بلا ترجيح لحكم بأدلة معتبرة، أو قول الجمهور.
وعن التجديد هناك من يرى أن المجال واسع للتغيير في المتغيرات وهي الأحكام والمسائل الظنية التي يندب الاجتهاد فيها لملائمة الزمان والمكان ومواكبة أوجه التطور في الأمور والعلوم الإنسانية كافة وعدم الارتكان إلى اجتهادات السلف دون إنكار قيمتها.
وهناك البعض يرون أن دعوة التجديد هي مخاطرة كبرى لأنها دعوة خارجية في ظنهم وأنها قد تهدم الثوابت.
الموهبة
لقد من الله على البعض بالمواهب المتفردة إلى حد الإعجاز الذي لابد أن تسجد أمامه لجلال الله،ولايمكن أن تكون تلك المواهب إلا لحكمة لايعلمها إلا علام الغيوب.
 وآخر مارايته شابا من ذوي الاحتياجات والإعاقة الذهنية، لايعرف من الدنيا غير القرآن وبلاغة اللغة العربية، يسمع أول الآية ثم يكمل لك  ويذكر السورة ورقمها وربعها وحزبها بطلاقة ،فلا تملك إلا أن تقول سبحان الله العظيم الذي قال "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"الحجر9. يحفظه سبحانه في قلوب العلماء وطلبة العلم وحتى الذين لاينطقون العربية ، ولكنهم يتلون كتاب الله كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
والمواهب لايمكن اكتسابها بل بمكن فقط صقلها بالدراسة، فالموهبة في جينات البعض كطلاوة الصوت وحلاوته ورقة ودقة الأنامل وغير ذلك ، وقد رأينا في عصر النهضة في أوروبا كيف كان الفنانون يرسمون بريشتهم البورتريه  بملابسه التي تكاد تستشعر ملمسها، بل إن أحدهم رسم عنقودا من العنب بأوراقه وكانت الطيورالحية تحاول الوصول إليه على لوحة الجدار.. ومن عمل بالتشكيل يعلم ذلك.
كما كنا نستمع إلى قارئ السورة في المناسبات ونسمع البعض يقول  أنه يقرأ من مقام الصبا أوغيره، ولم نكن نعلم النصف بيمول وأثره في هذا المقام، وكنا نسمع إلى الشيخ الجليل الدكتور عمر عبد الرحمن في زاوية صغيرة بالفيوم في أوائل حياته الوظيفية وكان صوت تلاوته للقرآن الكريم  وصدق خشوعه سببا في حب الناس له وأكثرهم من الشباب آنذاك مما يفسر لنا لماذا كان أكثرالحفظة لكتاب الله من الفيوم.
الفن التشكيلي
ظل الفن التشكيلي  في عصرنا هذا ساحة الرمي لكل مجتهد،وغير المجتهد وارتبط الفنان في الضمير الجمعي الإسلامي  بالمجون والفسوق بفعل فاعل مسئول متجبر استقدم من الغرب كل ماعن له الهوى من أفكار حداثية وبعد حداثية وفرضها بسطوته حتى ازدحمت معارض التشكيل بالعاريات سواء لوحة الحامل على جدار المعرض، أو تلك التي  ترتاد تلك المعارض،   رغم أن الفنان الإسلامي هو الذي ترك لنا حضارة على واجهات المساجد العتيقة ومشربيات المنازل والتي في مجملها حالة من الصوفية الخالصة التي تترد فيها عناصر العمل إلى مالا نهاية، كذكر الله والطواف الذي لن ينتهي إلا مع قيام الساعة، ومن ينكر أن هذا الفنان أشاع جماليات الخط العربي المتفرد حتى أصبحت معارض الخط تلف العالم كله.
لكن الذي نستطيع أن ننقله من كتب التراث أنه حينما فتح المسلمون البلاد المجاورة واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، كانت هناك فنون لتلك البلاد، لم يحاول الإسلام القضاء إلا على الماجن والفاسد منها وترك شواهد شامخة على حضارات الأولين وذكرى وعبرة للآخرين.
وكان من نتاج هذا الذي حدث ويحدث في هذا العصرأن أختلط التقليد والموروث بالوافد والحداثي ،وبالقطع اختلطت مفاهيم الإباحة والكراهة والتحريم حول الفنون عامة والتشكيلية خاصة، واستدل أهل المنع والتحريم بأدلة شرعية كانت لهم العون والسند، كما كان هناك من أخذ بالأحوط  وقال بالكراهة.
 الأدلة وخلافات الفقهاء.
نحن نعلم أن الأدلة الشرعية منها المتفق عليه والمختلف فيه ، لكنها إجمالا الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، إجماع الأمة، إجماع أهل المدينة ، القياس، قول الصحابي، المصلحة المرسلة ، الاستصحاب،الاستدلال، الاستحسان، الأخذ بالأخف، العصمة، إجماع أهل الكوفة، إجماع العترة، إجماع الخلفاء الأربعة.
وهنا لابد من التأكيد على أن المجتهد يبحث أولا عن أدلته في القرآن الكريم،فإذا لم يجد ينتقل إلى السنة،والإجماع ، وغيرها، ولا يوجد سبب يمنع من الجمع بين الأدلة من الكتاب والسنة وغيرها من الأدلة.
والمجتهد لايجوز له الاجتهاد في الوقائع التي ورد بشأنها نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة كالصلاة والزكاة والصوم والحج،ويجوز له الاجتهاد في قطعي الثبوت ظني الدلالة أو ظني الثبوت والدلالة كأحاديث الآحاد، وهنا يحدث الخلاف بين الفقهاء لأسباب كثيرة وعلى سبيل المثال: الخلاف في لفظ"قرء" في الآية" قوله تعالى"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"- البقرة228. والخلاف في المعنى هل هو الطهر أو الحيض مما يترتب عليه طوال مدة العدة أو قصرها مما يعرفه أهل الأصول.
 كذلك لفظ اللمس الشائع بين طلاب العلم في الآية الكريمة"أو لامستم النساء" – المائدة6.. هل هو اللمس الموجب للغسل أو الوضوء أو غير ذلك.
وهناك لفظ "الظن" ومعناه الشك ، لكنه ورد في القرآن الكريم مرة ليفيد الشك في قوله تعالى" وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك"42.يوسف
وورد اللفظ بما يفيد اليقين كما في قوله تعالى" وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله " 249البقرة
هذه بعض خلافات الفقهاء الشائعة والتي تدرس لطلبة العلم الشرعي وهي خلافات حول نصوص قطعية الثبوت ظنية الدلالة.
 والمانعون والمحرمون للفن عموما والتشكيلي خاصة استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة والقياس وسد الذرائع .
 - أما الكتاب
 قال تعالى"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" –الأحزاب57. قال عكرمة هم الذين يصنعون الصور، وقال النسفي هم منكرو النبوة والكفار.نحن إذن أمام عالمين وفقيهين أجتهد كل منهما في الفهم والتفسير..
ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للصحابة الكرام ما كان يحتاج إلى بيان من كتاب الله تعالى كالأحكام المجملة مثل الزكاة والصلاة وغيرها، ولم يفسر كل آية وكل كلمة لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون ذلك بسليقتهم ،فلم يقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر كل كلمة  ، قال الطبري: فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله فقد بينه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له "
وروى الطبري عن أنس رضي الله عنه قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "عبس وتولى " فلما أتى على هذه الآية :" وفاكهة وأبا " قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأب ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف . وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله "أبا " فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
 
وروى عن حبر الأمة ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال فيها : الثمار الرطبة .
 
وهذه أيضا أقوال المفسرين من التابعين ، قال عطاء : كل شيء ينبت على الأرض فهو الأب . وقال الضحاك : الفاكهة التي يأكلها بنو آدم ، والأب المرعى . وقال عكرمة : الفاكهة ما تأكل الناس "وأبا" ما تأكل الدواب
- ومن السنة
 عدة أحاديث منها" في سنن أبي داوود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو جنب أو كلب" , وهذا الحديث قطعي الثبوت ظني الدلالة فجاز فيه الاجتهاد، فقال العلماء عن الملائكة هم الذين ينزلون بالبركة والرحمة، أما الحفظة لايفارقون جنبا أو حائضا  أو غيره واستثنى الفقهاء كلب الصيد المعلم من العموم المطلق في الحديث.
- وبالقياس حينما ألحقوا مطلق الصور بكل ما يشترك معها في علة الحكم.
- وأعملوا أيضا سد الذرائع بأن النهي هنا والتحريم سدا لذريعة عبادة الأوثان أو التقديس للصورة، أو للأنشغال عن عبادة الله "مثل زركشة المنابر والقبلة".
الحكمة في تحريم التماثيل
كانت العلة في تحريم التماثيل كثيرة منها حماية التوحيد، والبعد عن مشابهة الوثنيين في تصويرهم التي يقفون أمامها خاشعين،مثلما حدث لمن خلدوا موتاهم الصالحين بصنع تماثيل لهم، وطال عليهم الأمد فعبدوها من دون الله، كما قال البعض  أن الصانع أو الفنان الذي ينحت تمثالا، يملؤه الغرور،مثلما حدث" لمايكل أنجلو- عصر النهضة" الذي نحت تمثالا دهرا طويلا، فلما أكمله وقف أمامه معجبا مبهورا أمام تقاسيمه وتقاطيعه حتى إنه خاطبه في نشوة من الغرور والفخر: تكلم.. تكلم !!
وقال آخرون أن التماثيل من مظاهر الترف التي يحاربها الدين كالذهب والفضة والحرير وغيرها.
الحكم يدور مع علته
بداية نؤكد على أن التاريخ سيظل يذكرأن "عمربن لحي" صاحب الثراء العظيم في مكة، كان أيضا صاحب الذنب والإثم الأعظم حينما جلب الصنم "هبل" من ارض ثمود في الشمال ، كأول صنم في الأرض المقدسة ليعبد في جوف الكعبة عند البئر، وبعدها تنافس التجار في جلب الأصنام من المصريين والبابليين والآراميين حتى تكدس جوف الكعبة بثلاثمائة وستين صنما، واتخذ أهل كل دار صنما يعبدونه في دارهم ليقربهم إلى الله زلفى.
وحين نتناول لفظ "الصور" في الحديث وغيره من الأحاديث لابد لنا أولا من ضبط المصطلح، فالصورة المقصودة هي الوثن الصنم المعبود سواء تمثالا مجسما كهيئته أو نحتا بارزا أو غائرا على مسطح الجدار. فلم تكن هناك حركة تشكيلية بالمعنى في أرض الحجاز حين ظهر الخطر من العبادة والتقديس لهذه التماثيل التي وصفت بالصورة في الحديث الذي بين أيدينا وأحاديث أخرى. وعلة التحريم كانت مظنة العبادة والتقديس .
وكما ذكرنا  أن القاعدة الفقهية تقول أن الحكم يدور مع علته فإذا انتفت العلة انتفى الحكم، والآن وقد انتهت علة الحكم بثبات الدين وكماله ولم تعد هناك شبهة ولا مظنة لعبادة أو تقديس ، لذلك ينتفي حكم التحريم والكراهة ، ويمكن القول خروجا من خلافات عديدة ونقول بالكراهة حتى نريح ونستريح،رغم أن الإمام محمد عبدة منذ أكثر من مئة عام تعرض لهذا الموضوع وأباح النحت والتماثيل وحسم الخلاف بشأنها على أساس أن الدافع للتحريم قد انقضى بالقضاء على عبادة الأصنام والتشبه بالخالق.
 والمتابع المشغول بالأمر يجد في عصرنا أن الناس تتندر بالتماثيل بل ويتبولون عليها كما كان يحدث مع تمثال رمسيس في باب الحديد قبل نقله إلى مقره الجديد وبعده أيضا.
وعليه فكل ما يوصل إلى حرام يجب سده وإن كان الفعل مشروعا يحصل مصلحة ولكنه ذريعة إلى مافيه مفسدة فإن هذا الفعل يمنع. ونحن أمام أعمال فنية تثري المشاعر والوجدان وتؤرخ لسجلات الفخار بين الأمم دون مخافة من مفسدة فتبقى الإباحة للبراءة الأصلية.
وعن الأحاديث الواردة بشأن التحريم فقد قال الإمام النووي رحمة الله أن التمثيل بسنن أبي داوود لايصح فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام. وقال أبن دقيق العيد رحمه الله التمثيل بسنن أبي داوود ليس بجيد عندنا، والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذهب إلى أبعد من هذا ، حين عطل حدا من حدود الله وهو حد السرقة في عام المجاعة الثابت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لكن الفاروق عمر أعمل اجتهاده، كما أعمله أيضا في الطلاق إذا كان ثلاثا بلفظ واحد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلقة واحدة ، فلما رأى الفاروق استهانة الناس بأمور الطلاق فأجراه ثلاث طلقات أي بينونة كبرى أي لابد أن تنكح المرأة المطلقة زوجا غيره.
وبعد ذلك إذا انتفت علة التحريم  زال التحريم بالضرورة كما حدث في أمور أخرى كثيرة  وحين تنتفي مظنة العبادة والتقديس عن الصور والتماثيل وغير ذلك يصير الحكم بالإباحة خاصة وقد ثبت ذلك بنصوص القرآن.   
 كان على عهد سليمان والجن تعمل له مايشاء من التماثيل بإذن ربه، ولم تكن هناك مظنة للعبادة أو التقديس الآية"قال تعالى:يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات"- سبأ 13.
والآن لابد أن نستعد لمفاجأة في سورة يونس فنحن أمام عرض متحفي للموميات بإذن الله وإليك التفاصيل.
قال تعالى في سورة يونس" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوإسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" – يونس(90-91-92).
في هذه الآيات أبقى الله سبحانه وتعالى على جسد فرعون ليكون آية للناس والآية في اللغة هي العلامة والدلالة والمعجزة، لتكون معجزة للأجيال من خلف فرعون شاهد على عظمة الله وقهره فرعون ولم تكن هذه الآيات إلا بسر أختصه الله بعضا من عباده قاموا بالتحنيط وتركوه لنا دون تفسير، حتى الأمم أصحاب الحضارات القديمة والحديثة والذين هبطوا على الكواكب قد أعياها البحث عن سر التحنيط دون جدوى، ولم يكن ذلك إلا تصديقا لكتاب الله العزيز ولم يتخذ أحد من هذه الأجيال هذه الموميات آلهة ولاكانت مظنة لعبادة أو تقديس.
واليوم وقد نظمت كل القوى الإسلامية على اختلاف خطابها ، نظمت مظاهراتها بجوار تمثال نهضة مصر للراحل محمود مختار في صدارة ميدان جامعة القاهرة، وكأن نهضة الأمم  تبدأ من الجامعة.
والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتدبر والنظر في الكون وزينته والمخلوقات وآياتها،بل وأطلق لنا حرية الخيال والتخيل والبحث والتأمل.
سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد "بديع السماوات والأرض"
سبحانه وتعالي"فالق الإصباح"




الاقتصاد بين الحكم المدني والعسكري



تشهد الساحة المصرية جدلا واسعا حول وضع المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري و تحديدا عن خضوع ميزانيتها للرقابة الشعبية و دور الجيش في الاقتصاد من خلال استثماره في العديد من القطاعات وأخيراً الحديث عن وضع خاص للمؤسسة العسكرية في الدستور.
وفي ذلك تشابه الدور الاقتصادي للجيش في مصر مع عدة دول شهد معظمها عددا من الانقلابات العسكرية نعرض منها تركيا وباكستان وتشيلي والتي تفاوتت فيها سيطرة العسكريين على الحكم بناءً على مدى قوة التيار السياسي المدني وبالتالي أختلف مدى تحكم المؤسسة العسكرية في ادارة الاقتصاد.
هل تدمر المؤسسة العسكرية الاقتصاد التركى ؟
على الرغم من وضوح دور جنرالات المؤسسة العسكرية التركية في الحياة السياسية في تركيا خلال العصر الحديث والذى ظهر جلياً في قيام المؤسسة العسكرية بثلاثة انقلابات في الفترة من ( 1960- 1980)، إلا ان دور هذه المؤسسة في الحياة الاقتصادية ظل إلى فترة طويلة من الأمور المسكوت عنها خاصة في ظل استغلال هذه المؤسسة للسلطات المخولة لها عقب الانقلاب العسكري لتحصين وضعها الاقتصادي والمالي بمواد دستورية، حيث نص دستور 1971 على ان الانفاق العسكري والأصول والممتلكات المملوكة لتلك المؤسسة لا تخضع لأى رقابة، وعلى الرغم من أن هذا المبدأ تم إلغاءه في عام 2003 في سياق محاولات الحكومة التركية لإحداث تعديلات دستورية من شأنها تحقيق التوافق المطلوب مع تشريعات الاتحاد الأوروبي إلا انه في الواقع العملي مازالت اقتصادات الجيش التركي محصنة إلى حد كبير من الإشراف والرقابة.
وتمارس المؤسسة العسكرية دورها في الاقتصاد التركي عبر ثلاثة قنوات :
أ‌) الإنفاق العسكري: حيث يعد من أهم بنود الموازنة العامة والذى يلتهم جزء كبير من الانفاق الحكومي، وعلى الرغم من خفض الانفاق الموجه لبنود شديدة الأهمية كالتعليم والصحة في فترات الأزمات الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد التركي ، إلا ان وضع الإنفاق العسكري في الموازنة العامة لم يتأثر. و قد شكل هذا الإنفاق ما يقرب من 14% من إجمالي الانفاق الحكومي في الفترة (1998-2008). و الجدير بالذكر أنه في عام 1986 تم إنشاء صندوقاً لدعم الصناعات الدفاعية الوطنية و الذى قُدر دخله بما يقرب من 2.5 مليار دولار سنوياً وهو ما فاق الميزانية المخصصة لعشرة من الوزارات التركية مجتمعة في عام 2007.
ب‌) صندوق القوات المسلحة للضباط المتقاعدين: أنشئ في عام 1961 عقب الانقلاب العسكري الأول، وكان هدفه وقتئذ توفير منافع اقتصادية ومساعدات اجتماعية لأفراد الجيش التركي إلا انه، وبخلاف اهدافه المعلنة، أصبح يمثل تكتل اقتصادي كبير امتد ليشمل أغلب الانشطة الاقتصادية والاستثمارية. حيث تغلغل في الصناعات البترولية، والسيارات، والحديد والصلب، والإسمنت، والصناعات الغذائية، والسياحة، والبنوك وغيرها من الصناعات. و قد استطاع الصندوق منذ إنشائه ان يحقق استفادة قصوى من السياسات الاقتصادية السائدة، ففي ظل سياسة "التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات" والتي سادت في الفترة (1960-1980) تمكن الصندوق من تحقيق أرباح طائلة عبر الاستثمار في الصناعات التي قررت الدولة فرض الحماية عليها مثل السيارات، والحديد والصلب، حيث قامت الدولة في تلك الفترة برفع الجمارك على السلع المستوردة من هذه الصناعات وفى بعض الأحيان منعت الاستيراد كلية بالإضافة إلى تقديم الإعفاءات الضريبية والدعم المالي لمنتجي تلك السلع. ومع اتجاه تركيا لليبرالية الاقتصادية و قيامها بتنفيذ روشتة الإصلاح الاقتصادي المُقدمة من صندوق النقد الدولي والتي فرضت خصخصة الكثير من الشركات العامة، نجح الصندوق في تحقيق ارباح هائلة من خلال شرائه للكثير من الشركات العامة كالسيارات والحديد والصلب مستغلاً في ذلك النزعة القومية السائدة في تلك الفترة والتي طالبت رأس المال التركي بالتحرك لإنقاذ الشركات التركية -وخاصة ذات الأهمية الاستراتيجية منها- من الوقوع في براثن رأس المال الأجنبي. وتُعامل الشركات التابعة لهذا الكيان معاملة الشركات المملوكة للدولة من حيث الامتيازات التي تحصل عليها سواء في صورة إعفاءات ضريبية او دعم مالي. كل ذلك كان من شأنه جعل هذا التكتل الاقتصادي واحد من أكبر ثلاث تكتلات اقتصادية في تركيا على مدار العقد المنصرم. ففي عام 2008 أصبح هذا الصندوق يمتلك أسهم في 50 شركة ( ويمتلك نصيب الأسد من أسهم 46 شركة منهم). وقد نجح الصندوق في تحقيق وضع احتكاري في كثير من الصناعات الهامة مثل صناعة الاسمنت، والسيارات، والحديد والصلب، بما يعنيه ذلك من سيطرة المؤسسة العسكرية على كثير من مفاصل الحياة الاقتصادية في تركيا.
ت‌) الصناعات العسكرية: ترجع الرغبة في إنشاء صناعة عسكرية تركية إلى بدايات الجمهورية التركية في عشرينات القرن الماضي، إلا ان بداية تحقيق خطوات جادة نحو تحقيقها لم تتأتى إلا عقب الغزو التركي لقبرص في عام 1974 و ما تبعه من إعلان الولايات المتحدة حظر تصدير الأسلحة لتركيا. ومنذ ذلك الحين تم توجيه مليارات الدولارات للاستثمار في الصناعات الحربية مما أسهم في وصول معدل الاكتفاء الذاتي من الأسلحة فى تركيا إلى 25% في عام 2003، ثم ارتفع ليصل إلى37.65 في عام 2006 ، واستمر في الارتفاع حتى بلغ 44.2% في عام 2008. وفى سبيل تحقيق مستويات عالية من الاكتفاء الذاتي، تم السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في الصناعات العسكرية و نتيجة للأرباح الكبيرة المتولدة في هذا القطاع فضلت كثير من الشركات الخاصة الاستثمار فيه بدلاً عن الاستثمار في قطاعات أخرى لا تقل عنه أهمية ولكنها لا تضاهيه في معدلات الربحية.
ويطرح وجود المؤسسة العسكرية بتلك الصورة المكثفة في الاقتصاد التركي إشكاليتين اساسيتين:
• الإشكالية الأولى ترتبط بمدى إمكانية استغلال المؤسسة العسكرية لإمكاناتها الاقتصادية لتكوين ظهير مالى يُمكنها من الضغط على القوى المدنية الحاكمة لتمرير ما تريده من قرارات قد ترى فيها تحقيقاً لمصلحتها، أو التدخل فى العملية الانتخابية منذ البداية عن طريق دعم مرشحين بعينهم مادياُ للحيلولة دون وصول اى من معارضى تغول المؤسسة العسكرية إلى السلطة. و بالتالى تستمر الحلقة المفرغة التى تقود فى كل مرة إلى الإبقاء على العسكر فى وضع مميز فى الحياة العامة التركية سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى.
• الإشكالية الثانية: و تتعلق بمدى تأثير التوغل الاقتصادى للمؤسسه العسكرية على هيكل الاقتصاد القومى نفسه وعلى كفاءة عمل آليات السوق به. فقد ارتبطت الأرباح الطائلة المتحققة فى قطاع الصناعات الحربية بإعادة توجية الاستثمارات من قطاعات اخرى إليه ،وعلى الرغم من أهمية هدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من الصناعات الحربية إلا ان التوسع المبالغ فى الإنفاق على صناعة التسلح غالباً ما يأتى بتأثير سلبى على الاقتصاد سواء من خلال نقص الموارد المتاحة لقطاعات أخرى لا تقل أهمية عنه، أو من خلال تعميق مشكلة البطالة حيث أن قدرة هذا القطاع على توليد فرص العمل اقل كثيراً من قطاعات أخرى كالتعليم و الصحة وغيرها. فعلى الرغم من كل تلك المليارات الموجهة لقطاع الصناعات الحربية لم تتعدى القوى العاملة به 17841 عامل. ايضا تتسبب الامتيازات التى تحصل عليها الشركات التابعة إلى المؤسسة العسكرية ،سواء فى صورة إعفاءات ضريبية أو دعم من الدولة ، فى إحداث اختلالات فى السوق نظراً لما ينتج عنها من خلق جو من المنافسه غير العادلة لا تستطيع كثير من الشركات الأخرى مجاراتها بسببه، و علاوة على ذلك فإن قرب المؤسسة العسكرية من دوائر السلطة كثيراً ما يخل بإحدى القواعد الذهبية لاقتصادات السوق وهى العلم المتزامن بظروف السوق بمعنى أن المؤسسة العسكرية قد تستطيع ان تحصل على معلومات مسبقة عن القرارات الاقتصادية التى سيتم اتخاذها. ايضاً يأتى تعيين ضباط الجيش المتقاعدين كمستشارين للشركات الكبرى ، ليضرب بعرض الحائط بمعايير الكفاءة نظراً لضعف خبراتهم بالأمور الاقتصادية.
و على ذلك فإنه على الرغم من أهمية دور المؤسسة العسكرية فى حماية أى دولة من الأخطار الخارجية إلا أن امتداد هذا الدور للقيام بأنشطة أقتصادية أو سياسية من شأنه الإضرار بهيكل الاقتصاد القومى و إحداث اختلالات فى السوق و يمثل تهديداً لمدنية الدولة فى كثير من الأحيان.




الإسلاميون وتحديات الحكم في أعقاب الثورات العربية


صدر حديثًا عن مركز دراسات الشرق الأوسط في عَمَّان بالأردن كتابٌ تحت عنوان "الإسلاميون وتحديات الحكم في أعقاب الثورات العربية" ضمن سلسلة الندوات رقم 63، والكتاب نتاج ندوة علمية عقدها المركز في عَمَّان حيث شارك فيها سياسيون وباحثون وأكاديميون مختصون من 11 بلدًا عربيًّا. والكتاب يُبرز دور الإسلاميين في إنجاز الثورات العربية، مركزًا على ما أفرزته التجارب الانتخابية التي أُجريت في هذه البلدان من فوز كبير للإسلاميين أوصلتهم لمقاعد الأغلبية في المجالس النيابية وسدة الحكم، ومن ثَمَّ مواجهة مجموعة هائلة من التحديات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية.
وقد جمع الكتاب بين دَفَّتيه تأصيلًا علميًّا وخلاصات فكرية مهمة لعدد من الأكاديميين والمفكرين والناشطين المهتمين بالعمل الإسلامي المعاصر، وقد تناولت هذه الدراسات والكلمات هذا الموضوع "الإسلاميون وتحديات الحكم" في الوقت الذي تشير فيه القراءات الواقعية للثورات العربية إلى أنها ستفرز نظمًا سياسية يكون للإسلاميين فيها نصيب مقدر.
وتتمثل القضية المحورية لهذا الكتاب في رصد التحديات التي تواجه الإسلاميين والنابعة من وصولهم للحكم وتصدرهم للمشهد السياسي الحالي، وكذا في المستقبل المنظور، وبالتالي محاولة استشراف الاستجابات المتوقعة منهم على هذه التحديات، ومن ثَمَّ إمكانية التنبؤ العملي بمدى نجاحهم أو فشلهم.
ومما هو جدير بالذكر أن المنتدى العالمي للوسطية قد عَقد مؤخرًا بالقاهرة مؤتمرًا ناجحًا تحت عنوان "التيارات السياسية الإسلامية وتحدي السلطة" نتمنى أن تُجمع أوراقه في كتاب كهذا الكتاب.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول يحوي كل فصل منها ثلاثة مباحث، ثم خاتمة تحوي أهم خلاصات الكتاب ونتائجه وتوصياته.
تحديات الحكم بعد الثورات
يتناول الفصل الأول "تحديات الحكم بعد الثورات" الإدراك القيادي للإسلاميين والقضايا التأسيسية.
وفي مبحثه الأول يتناول إدراك القيادات الإسلامية للتحديات التي تواجهها في الحكم بعد الثورات العربية، وتنبع أهمية تناول الإدراك القيادي من أنه أحد المداخل المباشرة والمهمة في معرفة كيفية صناعة القرار واتخاذه، وذلك بصدد الاستجابة للتحديات التي ستواجه الإسلاميين حيال ممارستهم السياسية للحكم.
وجاء المبحث الثاني تحت عنوان "محنة الحكم، التحديات العملية لحكم الإسلاميين"، ويرصد التحديات العملية التي تواجه حكم الإسلاميين، والاستجابات المتوقعة منهم، وهو يميز بين أربعة أنواع من هذه التحديات:
الأول: يتعلق بمشروع التغيير الذي سيطبقه الإسلاميون للنهوض بمجتمعاتهم في إطار مرجعيتهم.
والثاني: يدور حول الإسلاميين أنفسهم وتنظيماتهم، ومدى استعدادهم للمرحلة، وكيفية إعادة بناء علاقاتهم فيما بينهم وبين مجتمعاتهم ومحيطهم الإقليمي والدولي.
والثالث: يدور حول إعادة بناء الدولة وتأسيسها داخليًّا.
والرابع: يتركز حول التحديات النابعة من البيئة الدولية والإقليمية، وكيفية التعامل معها، وتأثيرها على البيئة والبنية الداخلية.
أما المبحث الثالث فتناول قضية الحكم، وكيفية المواجهات الإسلامية الواقعية للعمل السياسي، فيقدم مقارنة سياسية شرعية وفكرية يؤسس فيها لدلالات المرجعية الإسلامية بالنسبة لقضية الحكم وممارسة السياسة، إذ يميز بين الدين باعتباره وضعًا إلهيًّا ثابتًا، وبين التدين كظاهرة إنسانية ومجتمعية، وينطلق من شهادة التوحيد لبيان دلالتها السياسية محدِّدًا مقصد الإسلام من الحياة الطيِّبة، وقدرته على تقديم مشروع يطور حياة الناس اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وبذلك يتحقق فيه وبه الوصف بالإسلامية، وينتقل في هذا الصدد لكي يدلل من ذلك على تجربة حركة النهضة في تونس من التاريخ والواقع الحالي.
السياسات الداخلية
بينما يتناول الفصل الثاني من الكتاب السياسات الداخلية، ويركز هذا الفصل على التحديات المتعلقة بقضية الحكم داخل بلدان الربيع العربي، خاصة في أبعادها الداخلية وجوانب السياسة أساسًا، وفي هذا السياق تأتي المباحث الثلاثة للدراسة.
فالمبحث الأول "الإسلاميون وبناء الدولة الحديثة" تفصل الورقتان المقدمتان فيه أهم مشكلة تواجه الإسلاميين عقب الوصول إلى السلطة، وهي إعادة بناء الدولة الحديثة ورسم خريطة علاقاتها وتفاعلاتها مع المجتمع المحكوم، وهي أوسع من بناء النظام السياسي ذاته مع أهميته المحورية في هذا الصدد.
ناقشت الورقة الأولى الدولة الحديثة في فكر الحركات الإسلامية من حيث مفهوم هذه الدولة مقارنة بمفاهيم الدولة المدنية العلمانية، والدولة الدينية، والدولة القانونية، ثم انتقلت الورقة لمناقشة طبيعة هذه الدولة والمبادئ السياسية التي تقوم عليها مقارنة بما تقدمه الرؤية الإسلامية لتلك الحركات في صلته بالواقع السياسي، وفي هذا الإطار تتناول وَحدة الدولة الإسلامية وتعددها وتكاملها.
أما الورقة الثانية في هذا المبحث فتعالج موضوع الدولة الحديثة في فكر الحركة الإسلامية مركِّزة على اعتبار الدولة أداة لتنفيذ المشروع الإسلامي الذي يعتبر خدمة المجتمع جميعًا أساسًا لنهضته، وأن ثَمَّةَ تخوفًا جرَّاء ذلك من الحركات الإسلامية، وتنطلق الورقة بعد ذلك في بيان أن الخبرة الإسلامية لم تعرف "الدولة الدينية"، لتفرق في هذا الصدد بين الدولة المدنية العلمانية والدولة المدنية الإسلامية محددة ستة أسس تشكل معايير للتفرقة العلمية والمنهجية بينهما.
وفي المبحث الثاني المعنون "الإسلاميون وبناء السلطة السياسية الحاكمة":
يتناول في ورقته الأولى أحد المبادئ المحورية ذات الإشكالية في تأسيس السلطة السياسية وهو مبدأ التداول، والذي يقتضي فكرة التحديد والتوقيت الزمني، ودوران المناصب السياسية، وبالتالي دوران النُّخَب السياسية وتجديدها في إطار المنافسة السياسية، وكل ذلك يتم عبر آلية الانتخابات.
وفي هذا الصدد يثير المبحث حول قضية "الإسلاميون وتداول السلطة" مجموعة من الأسئلة المشروعة التي تدور حول تقديم نموذج عملي في الحكم يجسد رؤية الحركة ويخضع للمراجعة والمحاكمة، ولا تكون بالضرورة نُسَخًا محسنة من النماذج الحاكمة، ولكنه نموذجهم الخاص الذي يجسد تجربتهم الذاتية في هذه المرحلة التاريخية الفارقة.
أما الورقة الثانية في هذا المبحث فتتحدث عن القضية نفسها مركِّزة على الاستجابات الغامضة التي يقدمها الإسلاميون، وتقدم كثيرًا من النماذج الواقعية في هذا الصدد، حيث تقدم ثلاثة عشر نموذجًا، ما يزال الكثير منها يشغل الوقت بالنقاش والجدال السياسي المحتدم حتى الوقت الحالي.
أما المبحث الثالث "الإسلاميون وممارسة العملية السياسية" فيتناول دراستين بالغتي الأهمية في هذا الصدد.
تتناول الأولى مشاركة الإسلاميين في الحكم وممارسة السياسة، مركِّزة على دلالات المشاركة السياسية والشكوك المتبادلة بصددها، وتقدم نموذجًا من اليمن حول أحزاب اللقاء المشترك في مشاركتها السياسية وممارساتها و"السيناريوهات" المستقبلية في هذا الصدد.
في حين ترى الثانية في مشاركة الإسلاميين في الحكم مطلقًا ضرورة إعطائهم فرصة للتجربة قبل الحكم عليهم، وترصد الورقة التحديات في ثلاثة مستويات بالنسبة لمستقبل التجربة:
الأول: على مستوى المواطن الفرد العربي.
والثاني: على مستوى هيكل الدولة المستقبلي.
والثالث: على مستوى هيكل النظام الدولي.
وتثير في هذا الصدد سبعة عوامل ومتغيرات بالغة الأهمية مستقبليًّا في تحديد مصير هذه التجربة، وربما تكون هذه الورقة قد رصدت معظم العوامل المؤثرة بالفعل في هذا الصدد.
السياسات الإقليمية والدولية
وفي الفصل الثالث والأخير من الكتاب والمعنون "الإسلاميون والسياسات الإقليمية والدولية، التحديات والاستجابات" فقد جاء بدوره في ثلاثة مباحث مهمة.
يدور المبحث الأول حول جدلية التفاعل بين التحديات الخارجية والاستجابات الداخلية، ومن أبرز ما تناوله هذا المبحث الشروط الخارجية لتفجر الثورات الشبابية الشعبية، محلِّلًا موازين القوى العالمية والإقليمية والعربية، وما شهدته من تغيرات كانت مواتية لحدوث هذه الثورات، ويفسر مسألة تركيز الثورات على مواجهة الاستبداد والفساد، وتجنب الهجوم على مسألة السياسات المتعلقة بالتبعية للولايات المتحدة، أو الخضوع لأجندة العولمة، أو القضية الفلسطينية، ثم يتناول مستقبل العلاقة الأمريكية والغربية مع الأنظمة التي جاءت في أعقاب الثورات العربية، وأخيرًا ينبِّه إلى المستقبل والتحديات الخارجية مركزًا على التحدي الاقتصادي، والتحدي القُطْري، أي: التفكير انطلاقًا من الدولة القُطْرية، وإهمال منطق التكامل والوحدة والعمل المشترك على المستوى العربي والإسلامي في مواجهة هذه التحديات، وتحديد كيفية الاستجابة لها.
أما المبحث الثاني فيتناول تفاعلات الداخلي والإقليمي بصدد التحديات والاستجابات التي تواجه حكم الإسلاميين، ويحلل جدلية هذه التفاعلات بين هذه التحديات الداخلية والخارجية، فيرى أن التحديات الداخلية تدور حول قوى مناهضة التغيير الملتحمة مع أجهزة الدولة وهياكلها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، ثم كيفية تحويل أهداف الثورة إلى برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي ... إلخ، ثم كيفية العمل المشترك بين القوى السياسية حتى في ظل وجود حزب حاكم فاز في الانتخابات. أما التحديات الخارجية والإقليمية فهي تدور -حسبما يرى المبحث- حول محاولة الالتفاف الخارجي على الثورات للعودة إلى المربع الأول، ثم عن العلاقة مع الغرب والثقة فيه، وأخيرًا يتحدث عن العمود الفقري للأمة الذي ينبغي الحفاظ عليه وهو العروبة والإسلام.
وفي المبحث الثالث والأخير يدور الحديث عن "الإسلاميون والعلاقات الإقليمية والدولية"، وذلك باعتبارها من أهم التحديات التي يجب على الإسلاميين التعامل معها والتصدي لها.
وفي هذا الصدد تقدم الورقة الأولى من المبحث رؤية متكاملة في الإطار النظري لتأسيس العلاقات الإقليمية والدولية، ثم تنتقل لتقدم ثلاثة نماذج لخبرات حركات إسلامية وصلت إلى الحكم قبل ثورات الربيع العربي في كيفية التعامل مع التحدي الذي يفرضه الإطار الإقليمي والدولي، ووصلت إلى مستويات مختلفة، وهذه التجارب هي التجربة الإيرانية، والتجربة التركية، والتجربة السودانية، وتقدم الورقة في هذا الصدد تحليلًا عميقًا لماهية هذه التحديات وطبيعتها وتقارن بينها، وتبين بدقة كيفية الاستجابة لها والتعامل معها. ثم تعود الورقة وتقدم عدة مساهمات واقعية يمكن تطويرها والاستفادة من الرؤية الدقيقة والمتوازنة التي تقدمها في هذا الصدد.
أما الورقة الثانية من هذا المبحث فتقدم بدورها دراسة حول "الإسلاميون، تحديات العلاقات الإقليمية والدولية في مرحلة الحكم" والتي تمثل مقارنة علمية منضبطة تطرح مجموعة من التساؤلات حول مفهوم العلاقات ومحدداتها المختلفة، ثم تنطلق لرصد التحديات التي تسهم في رسم صورة هذه العلاقات واقعيًّا، وتتطرق في هذا الصدد إلى التحديات التي يفرضها النظام الدولي، واختبارات التعامل مع القوى المختلفة في النظام الدولي، ثم تحلل ما تسميه "إشكالية المقبولية الدولية للحركات الإسلامية"، وترى الورقة أن ثَمَّةَ جملة من التساؤلات تحتاج إلى جملة أخرى من الإجابات بحيث تتحدد الصورة الكلية التي فيها يتحدد (موقعك وموقع الخصم وسبل النجاح بعد تحديد المخاطر والفرص والسلبيات والإيجابيات). وتنبِّه الورقة أخيرًا  لضرورة الإجابة المحددة على هذه التساؤلات واضعة بالاعتبار أن الربيع ربيعنا إن أحسَنَّا حصادَه، والفرص لا تأتي إلا مرة واحدة كل قرن، وها هي بين أيدينا.
وتتناول خاتمة الكتاب بإيجاز خمسة متغيرات حاسمة بالنسبة لمستقبل الإسلاميين في الحكم، وهي تلخص بإيجاز ما ورد في هذا الكتاب.

صدر حديثًا عن مركز دراسات الشرق الأوسط في عَمَّان بالأردن كتابٌ تحت عنوان "الإسلاميون وتحديات الحكم في أعقاب الثورات العربية" ضمن سلسلة الندوات رقم 63، والكتاب نتاج ندوة علمية عقدها المركز في عَمَّان حيث شارك فيها سياسيون وباحثون وأكاديميون مختصون من 11 بلدًا عربيًّا. والكتاب يُبرز دور الإسلاميين في إنجاز الثورات العربية، مركزًا على ما أفرزته التجارب الانتخابية التي أُجريت في هذه البلدان من فوز كبير للإسلاميين أوصلتهم لمقاعد الأغلبية في المجالس النيابية وسدة الحكم، ومن ثَمَّ مواجهة مجموعة هائلة من التحديات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية.
وقد جمع الكتاب بين دَفَّتيه تأصيلًا علميًّا وخلاصات فكرية مهمة لعدد من الأكاديميين والمفكرين والناشطين المهتمين بالعمل الإسلامي المعاصر، وقد تناولت هذه الدراسات والكلمات هذا الموضوع "الإسلاميون وتحديات الحكم" في الوقت الذي تشير فيه القراءات الواقعية للثورات العربية إلى أنها ستفرز نظمًا سياسية يكون للإسلاميين فيها نصيب مقدر.
وتتمثل القضية المحورية لهذا الكتاب في رصد التحديات التي تواجه الإسلاميين والنابعة من وصولهم للحكم وتصدرهم للمشهد السياسي الحالي، وكذا في المستقبل المنظور، وبالتالي محاولة استشراف الاستجابات المتوقعة منهم على هذه التحديات، ومن ثَمَّ إمكانية التنبؤ العملي بمدى نجاحهم أو فشلهم.
ومما هو جدير بالذكر أن المنتدى العالمي للوسطية قد عَقد مؤخرًا بالقاهرة مؤتمرًا ناجحًا تحت عنوان "التيارات السياسية الإسلامية وتحدي السلطة" نتمنى أن تُجمع أوراقه في كتاب كهذا الكتاب.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول يحوي كل فصل منها ثلاثة مباحث، ثم خاتمة تحوي أهم خلاصات الكتاب ونتائجه وتوصياته.
تحديات الحكم بعد الثورات
يتناول الفصل الأول "تحديات الحكم بعد الثورات" الإدراك القيادي للإسلاميين والقضايا التأسيسية.
وفي مبحثه الأول يتناول إدراك القيادات الإسلامية للتحديات التي تواجهها في الحكم بعد الثورات العربية، وتنبع أهمية تناول الإدراك القيادي من أنه أحد المداخل المباشرة والمهمة في معرفة كيفية صناعة القرار واتخاذه، وذلك بصدد الاستجابة للتحديات التي ستواجه الإسلاميين حيال ممارستهم السياسية للحكم.
وجاء المبحث الثاني تحت عنوان "محنة الحكم، التحديات العملية لحكم الإسلاميين"، ويرصد التحديات العملية التي تواجه حكم الإسلاميين، والاستجابات المتوقعة منهم، وهو يميز بين أربعة أنواع من هذه التحديات:
الأول: يتعلق بمشروع التغيير الذي سيطبقه الإسلاميون للنهوض بمجتمعاتهم في إطار مرجعيتهم.
والثاني: يدور حول الإسلاميين أنفسهم وتنظيماتهم، ومدى استعدادهم للمرحلة، وكيفية إعادة بناء علاقاتهم فيما بينهم وبين مجتمعاتهم ومحيطهم الإقليمي والدولي.
والثالث: يدور حول إعادة بناء الدولة وتأسيسها داخليًّا.
والرابع: يتركز حول التحديات النابعة من البيئة الدولية والإقليمية، وكيفية التعامل معها، وتأثيرها على البيئة والبنية الداخلية.
أما المبحث الثالث فتناول قضية الحكم، وكيفية المواجهات الإسلامية الواقعية للعمل السياسي، فيقدم مقارنة سياسية شرعية وفكرية يؤسس فيها لدلالات المرجعية الإسلامية بالنسبة لقضية الحكم وممارسة السياسة، إذ يميز بين الدين باعتباره وضعًا إلهيًّا ثابتًا، وبين التدين كظاهرة إنسانية ومجتمعية، وينطلق من شهادة التوحيد لبيان دلالتها السياسية محدِّدًا مقصد الإسلام من الحياة الطيِّبة، وقدرته على تقديم مشروع يطور حياة الناس اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وبذلك يتحقق فيه وبه الوصف بالإسلامية، وينتقل في هذا الصدد لكي يدلل من ذلك على تجربة حركة النهضة في تونس من التاريخ والواقع الحالي.
السياسات الداخلية
بينما يتناول الفصل الثاني من الكتاب السياسات الداخلية، ويركز هذا الفصل على التحديات المتعلقة بقضية الحكم داخل بلدان الربيع العربي، خاصة في أبعادها الداخلية وجوانب السياسة أساسًا، وفي هذا السياق تأتي المباحث الثلاثة للدراسة.
فالمبحث الأول "الإسلاميون وبناء الدولة الحديثة" تفصل الورقتان المقدمتان فيه أهم مشكلة تواجه الإسلاميين عقب الوصول إلى السلطة، وهي إعادة بناء الدولة الحديثة ورسم خريطة علاقاتها وتفاعلاتها مع المجتمع المحكوم، وهي أوسع من بناء النظام السياسي ذاته مع أهميته المحورية في هذا الصدد.
ناقشت الورقة الأولى الدولة الحديثة في فكر الحركات الإسلامية من حيث مفهوم هذه الدولة مقارنة بمفاهيم الدولة المدنية العلمانية، والدولة الدينية، والدولة القانونية، ثم انتقلت الورقة لمناقشة طبيعة هذه الدولة والمبادئ السياسية التي تقوم عليها مقارنة بما تقدمه الرؤية الإسلامية لتلك الحركات في صلته بالواقع السياسي، وفي هذا الإطار تتناول وَحدة الدولة الإسلامية وتعددها وتكاملها.
أما الورقة الثانية في هذا المبحث فتعالج موضوع الدولة الحديثة في فكر الحركة الإسلامية مركِّزة على اعتبار الدولة أداة لتنفيذ المشروع الإسلامي الذي يعتبر خدمة المجتمع جميعًا أساسًا لنهضته، وأن ثَمَّةَ تخوفًا جرَّاء ذلك من الحركات الإسلامية، وتنطلق الورقة بعد ذلك في بيان أن الخبرة الإسلامية لم تعرف "الدولة الدينية"، لتفرق في هذا الصدد بين الدولة المدنية العلمانية والدولة المدنية الإسلامية محددة ستة أسس تشكل معايير للتفرقة العلمية والمنهجية بينهما.
وفي المبحث الثاني المعنون "الإسلاميون وبناء السلطة السياسية الحاكمة":
يتناول في ورقته الأولى أحد المبادئ المحورية ذات الإشكالية في تأسيس السلطة السياسية وهو مبدأ التداول، والذي يقتضي فكرة التحديد والتوقيت الزمني، ودوران المناصب السياسية، وبالتالي دوران النُّخَب السياسية وتجديدها في إطار المنافسة السياسية، وكل ذلك يتم عبر آلية الانتخابات.
وفي هذا الصدد يثير المبحث حول قضية "الإسلاميون وتداول السلطة" مجموعة من الأسئلة المشروعة التي تدور حول تقديم نموذج عملي في الحكم يجسد رؤية الحركة ويخضع للمراجعة والمحاكمة، ولا تكون بالضرورة نُسَخًا محسنة من النماذج الحاكمة، ولكنه نموذجهم الخاص الذي يجسد تجربتهم الذاتية في هذه المرحلة التاريخية الفارقة.
أما الورقة الثانية في هذا المبحث فتتحدث عن القضية نفسها مركِّزة على الاستجابات الغامضة التي يقدمها الإسلاميون، وتقدم كثيرًا من النماذج الواقعية في هذا الصدد، حيث تقدم ثلاثة عشر نموذجًا، ما يزال الكثير منها يشغل الوقت بالنقاش والجدال السياسي المحتدم حتى الوقت الحالي.
أما المبحث الثالث "الإسلاميون وممارسة العملية السياسية" فيتناول دراستين بالغتي الأهمية في هذا الصدد.
تتناول الأولى مشاركة الإسلاميين في الحكم وممارسة السياسة، مركِّزة على دلالات المشاركة السياسية والشكوك المتبادلة بصددها، وتقدم نموذجًا من اليمن حول أحزاب اللقاء المشترك في مشاركتها السياسية وممارساتها و"السيناريوهات" المستقبلية في هذا الصدد.
في حين ترى الثانية في مشاركة الإسلاميين في الحكم مطلقًا ضرورة إعطائهم فرصة للتجربة قبل الحكم عليهم، وترصد الورقة التحديات في ثلاثة مستويات بالنسبة لمستقبل التجربة:
الأول: على مستوى المواطن الفرد العربي.
والثاني: على مستوى هيكل الدولة المستقبلي.
والثالث: على مستوى هيكل النظام الدولي.
وتثير في هذا الصدد سبعة عوامل ومتغيرات بالغة الأهمية مستقبليًّا في تحديد مصير هذه التجربة، وربما تكون هذه الورقة قد رصدت معظم العوامل المؤثرة بالفعل في هذا الصدد.
السياسات الإقليمية والدولية
وفي الفصل الثالث والأخير من الكتاب والمعنون "الإسلاميون والسياسات الإقليمية والدولية، التحديات والاستجابات" فقد جاء بدوره في ثلاثة مباحث مهمة.
يدور المبحث الأول حول جدلية التفاعل بين التحديات الخارجية والاستجابات الداخلية، ومن أبرز ما تناوله هذا المبحث الشروط الخارجية لتفجر الثورات الشبابية الشعبية، محلِّلًا موازين القوى العالمية والإقليمية والعربية، وما شهدته من تغيرات كانت مواتية لحدوث هذه الثورات، ويفسر مسألة تركيز الثورات على مواجهة الاستبداد والفساد، وتجنب الهجوم على مسألة السياسات المتعلقة بالتبعية للولايات المتحدة، أو الخضوع لأجندة العولمة، أو القضية الفلسطينية، ثم يتناول مستقبل العلاقة الأمريكية والغربية مع الأنظمة التي جاءت في أعقاب الثورات العربية، وأخيرًا ينبِّه إلى المستقبل والتحديات الخارجية مركزًا على التحدي الاقتصادي، والتحدي القُطْري، أي: التفكير انطلاقًا من الدولة القُطْرية، وإهمال منطق التكامل والوحدة والعمل المشترك على المستوى العربي والإسلامي في مواجهة هذه التحديات، وتحديد كيفية الاستجابة لها.
أما المبحث الثاني فيتناول تفاعلات الداخلي والإقليمي بصدد التحديات والاستجابات التي تواجه حكم الإسلاميين، ويحلل جدلية هذه التفاعلات بين هذه التحديات الداخلية والخارجية، فيرى أن التحديات الداخلية تدور حول قوى مناهضة التغيير الملتحمة مع أجهزة الدولة وهياكلها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، ثم كيفية تحويل أهداف الثورة إلى برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي ... إلخ، ثم كيفية العمل المشترك بين القوى السياسية حتى في ظل وجود حزب حاكم فاز في الانتخابات. أما التحديات الخارجية والإقليمية فهي تدور -حسبما يرى المبحث- حول محاولة الالتفاف الخارجي على الثورات للعودة إلى المربع الأول، ثم عن العلاقة مع الغرب والثقة فيه، وأخيرًا يتحدث عن العمود الفقري للأمة الذي ينبغي الحفاظ عليه وهو العروبة والإسلام.
وفي المبحث الثالث والأخير يدور الحديث عن "الإسلاميون والعلاقات الإقليمية والدولية"، وذلك باعتبارها من أهم التحديات التي يجب على الإسلاميين التعامل معها والتصدي لها.
وفي هذا الصدد تقدم الورقة الأولى من المبحث رؤية متكاملة في الإطار النظري لتأسيس العلاقات الإقليمية والدولية، ثم تنتقل لتقدم ثلاثة نماذج لخبرات حركات إسلامية وصلت إلى الحكم قبل ثورات الربيع العربي في كيفية التعامل مع التحدي الذي يفرضه الإطار الإقليمي والدولي، ووصلت إلى مستويات مختلفة، وهذه التجارب هي التجربة الإيرانية، والتجربة التركية، والتجربة السودانية، وتقدم الورقة في هذا الصدد تحليلًا عميقًا لماهية هذه التحديات وطبيعتها وتقارن بينها، وتبين بدقة كيفية الاستجابة لها والتعامل معها. ثم تعود الورقة وتقدم عدة مساهمات واقعية يمكن تطويرها والاستفادة من الرؤية الدقيقة والمتوازنة التي تقدمها في هذا الصدد.
أما الورقة الثانية من هذا المبحث فتقدم بدورها دراسة حول "الإسلاميون، تحديات العلاقات الإقليمية والدولية في مرحلة الحكم" والتي تمثل مقارنة علمية منضبطة تطرح مجموعة من التساؤلات حول مفهوم العلاقات ومحدداتها المختلفة، ثم تنطلق لرصد التحديات التي تسهم في رسم صورة هذه العلاقات واقعيًّا، وتتطرق في هذا الصدد إلى التحديات التي يفرضها النظام الدولي، واختبارات التعامل مع القوى المختلفة في النظام الدولي، ثم تحلل ما تسميه "إشكالية المقبولية الدولية للحركات الإسلامية"، وترى الورقة أن ثَمَّةَ جملة من التساؤلات تحتاج إلى جملة أخرى من الإجابات بحيث تتحدد الصورة الكلية التي فيها يتحدد (موقعك وموقع الخصم وسبل النجاح بعد تحديد المخاطر والفرص والسلبيات والإيجابيات). وتنبِّه الورقة أخيرًا  لضرورة الإجابة المحددة على هذه التساؤلات واضعة بالاعتبار أن الربيع ربيعنا إن أحسَنَّا حصادَه، والفرص لا تأتي إلا مرة واحدة كل قرن، وها هي بين أيدينا.
وتتناول خاتمة الكتاب بإيجاز خمسة متغيرات حاسمة بالنسبة لمستقبل الإسلاميين في الحكم، وهي تلخص بإيجاز ما ورد في هذا الكتاب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق