قد يفهم من العنوان أنها دعوة
إلى الفرقة والتشرذم والإختلاف فى وقت تقتضى فيه الحكمة أن يسود التوحد بين
المختلفين فى أمور الدين والدنيا ، وبلا شك أن التوحد المزعوم ليس رايته الإسلام ،
بل هى الوطنية المصرية التى يجب أن ينضوى تحت لوائها - المسلم وغير المسلم-
بحسبانها من وجهة نظر قائليها هى الحل لحل أزمات البلاد والعباد ، ومن خلال هذه
الوطنية نستطيع أن نصهر معادن المصريين حتى تصبح نسيجا واحدا لا أختلاف بينهم
يقارن ، ويذوب الجميع فى وعاءا واحدا ، ومن ثم تختفى المشاكل الطائفية إلى الأبد .
وهذه الرؤية للتعايش بين
المسلمين وغيرهم يعاب عليها من وجهتين ، اولهما :- أنها تخالف عقيدة التوحيد التى
أرسل الله الرسل من أجلها وشعارها ليس الهلال وأنما ( لا أله إلا الله محمد رسول
الله ) ولما قال تعالى ( إن بعض الظن إثم ) ، فلا يجب أن نطعن فى دين من يقول بهذا
، بل نحسبهم على خير يريدون أن ينقذوا الوطن ، والذى يظهر من الإعلام أن أصحاب هذه الرؤية هم
المسلمين من التيارات العالمانية وفقط ، والحقيقة أن النصارى يقفون وراء هذه
الراية الوطنية ويدفعون بعض المسلمين إليها دفعا لإنها تحقق لهم أهداف دينية ، تلك
المتمثلة فى عدم تمكين المسلمين من تطبيق شريعتهم فى مصر حتى ولو أعلنوا عدم
إعتراضهم على ذلك ، لان تطبيق الشريعة يمثل مشكلتين عند النصارى :-
1- أنها
تنهى أمالهم نهائيا فى إعادة الدولة القبطية المنشوده والتى أقاموا لها حكومة فى
أمريكا .
2- أنها
تعتبر عامل غيظ وحقد على المسلمين أنهم يأتمرون بكتابهم والذى يعرفون يقينا أنه
سبيلا لعزتهم ونصرهم فى الارض بموعود الله .
كذلك يقف النصارى وراء الراية
الوطنية من أجل رد المسلمين عن دينهم قال تعالى ( ود كثير من أهل الكتاب لو
يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم ) ، ولعل الكفاية فى ما أثير فى الإعلام من أن العلماء من انصار الدعوة السلفية يحرقون
البلد لانهم يقولون أن النصارى كفار ، ويقوم بطرح هذ السؤال مسلمين ومنهم علماء من
الازهر ، ومن العجيب أن يطرح مسلم سؤال كهذا أو يجاوب عليه تقية بالسلب ، كيف
يخالفون قول الله فى وصفه للنصارى أنهم كفار ومخلدين فى النار اذ لم يؤمنوا قبل
موتهم ، والأيات على ذلك كثيرة ، قال تعالى ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب
والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) ، ( لقد كفر الذين قالوا
أن الله ثالث ثلاثة ) والايات على ذلك كثيرة ، ثبت فيها من وفقه الله ، وضل فيها
أناس كثير وغفر الله للجميع ، ومن أجل ذلك فالذوبان المطلق قد يمس توحيد المسلم
لربه ، ذلك أن الدولة الوطنية دولة تسوى بين الاديان والعقائد ، فالمسلم كغير
المسلم ، وفى الحقيقة الطرح الاسلامى لا يفرق بين المسلم وغيره فى الحقوق
والواجبات الا ما تعلق منها بالعقيدة ، فالمسلم فى غير مسائل العقيدة لا يختلف عن
غير المسلم ، فلو تفوق مايكل على محمد بنصف درجة يعين ولا يعين محمد ، وهذا مفهوم
العدل والتسامح فى الاسلام الذى يخلطه كثير من المسلمين الذين لم يعرفوا حقيقة
التوحيد ، ( فالتسامح يكون فى المعاملات لا فى مسائل العقيدة ) ، فهل قولى للنصارى
انكم لستم بكفار ؟ تسامح ، إنها ردة عظيمة عن الاسلام ونسأل الله السلامة منها ،
ومن ثم فلابد من التوحد ولكن على جثمان الاسلام ، أم على مكاشفة حقيقية بين
المسلمين وغير المسلمين ، فالتوحد المنشود هو التوحد القائم على غير المساس بعقيدة
الاسلام .
ثانيهما :- أن تلك الوطنية
المطروحة لم تثبت نجاحها إلا فى الغرب ولاسيما الدول التى تجمع كثير من الأديان
والأعراق ، أما فى الدول الإسلامية فقد فشلت فشلا ذريعا بل زادت من حدة الصراع
الطائفى ، ففى مصر مثلا أرسى عبدالناصر الدولة الوطنية منذ وصل الى حكم البلاد ،
ومنذ تم ذلك وبدأت النزاعات بين المسلمين والنصارى ، ولم تكن مصر قبلها يحدث فيها
أى نزاع طائفى ، فتقديرى أن عبدالناصر كحاكم ديكتاتور أراد أن يخلق مشاكل فى
المجتمع حتى يؤبد حكمه ، إذ مصر قبل ثورة يونيو - وأنا لا أراها ثورة بل إنقلاب -
كانت من أقوى وأغنى الدول فى العالم ، وكانت قوة مصر فى العهد الملكى بمكان ، أنه
إذا صوتت مصر على قرار فى الأمم المتحدة بنعم ، تصوت سبعين دولة على الأقل من
الدول الأسلامية والإفريقية والأسيوية بنعم وإلى الله المشتكى .
ومن ثم فلا يمكن التوحد على
جثمان التوحيد ، ولا يمكن الإلتفاف حول راية الوطنية بعيداً عن راية الإسلام ،
فالدين أولى بالرعاية من الوطن بحسبان الإسلام ديناً يحض على حب الوطن ، والدفاع
عنه ولا شك ولا ريب أن العلماء قاطبة قديما وحديثا على التزام المسلمين بالنفير
العام ( خروج جميع المسلمين للدفاع عن الاراضى المحتلة ) اذا اعتدى على شبر واحد ،
وإلى الله المشتكى ، فديار الاسلام كلها محتلة ، تارة عسكريا ، وتارة إحتلال فكرى
هو أخطر من الأول ، وهدى الله الذين أمنوا لما أختلف فيه من الحق بإذنه.
وأشهد أن لا إله إلا لله وأن
محمداً رسول الله


0 التعليقات:
إرسال تعليق